فصل: من فوائد ابن عرفة في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.بحثان للفخر في قوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}:

قال الفخر:
في قوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} بحثان:

.البحث الأول: حول كلمة: لعل:

أن كلمة لعل للترجي والإشفاق، تقول لعل زيدًا يكرمني وقال تعالى: {لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى} [طه: 44]، {لَعَلَّ الساعة قَرِيبٌ} [الشورى: 17] ألا ترى إلى قوله: {والذين ءامَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا} [الشورى: 18] والترجي والإشفاق لا يحصلان إلا عند الجهل بالعاقبة وذلك على الله تعالى محال، فلابد فيه من التأويل وهو من وجوه: أحدها: أن معنى لعل راجع إلى العباد لا إلى الله تعالى فقوله: {لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى} أي اذهبا أنتما على رجائكما وطمعكما في إيمانه، ثم الله تعالى عالم بما يؤول إليه أمره.
وثانيها: أن من عادة الملوك والعظماء أن يقتصروا في مواعيدهم التي يوطنون أنفسهم على إنجازها على أن يقولوا لعل وعسى ونحوهما من الكلمات، أو للظفر منهم بالرمزة، أو الابتسامة أو النظرة الحلوة فإذا عثر على شيء من ذلك لم يبق للطالب شك في الفوز بالمطلوب فعلى هذا الطريق ورد لفظ لعل في كلام الله تعالى.
وثالثها: ما قيل أن لعل بمعنى كي، قال صاحب الكشاف: ولعل لا يكون بمعنى كي، ولكن كلمة لعل للأطماع، والكريم الرحيم إذا أطمع فعلى ما يطمع فيه لا محالة تجري أطماعه مجرى وعده المحتوم، فلهذا السبب قيل لعل في كلام الله تعالى بمعنى كي.
ورابعها: أنه تعالى فعل بالمكلفين ما لو فعله غيره لاقتضى رجاء حصول المقصود، لأنه تعالى لما أعطاهم القدرة على الخير والشر وخلق لهم العقول الهادية وأزاح أعذارهم، فكل من فعل بغيره ذلك فإنه يرجو منه حصول المقصود، فالمراد من لفظة لعل فعل ما لو فعله غيره لكان موجبًا للرجاء.
خامسها: قال القفال: لعل مأخوذ من تكرر الشيء كقولهم عللا بعد نهل، واللام فيها هي لام التأكيد كاللام التي تدخل في لقد، فأصل لعل عل، لأنهم يقولون علك أن تفعل كذا، أي لعلك، فإذا كانت حقيقته التكرير والتأكيد كان قول القائل: افعل كذا لعلك تظفر بحاجتك معنا.
افعله فإن فعلك له يؤكد طلبك له ويقويك عليه.

.البحث الثاني: حول التقوى والعبادة:

أن لقائل أن يقول: إذا كانت العبادة تقوى فقوله: {اعبدوا رَبَّكُمُ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} جار مجرى قوله: اعبدوا ربكم لعلكم تعبدون، أو اتقوا ربكم لعلكم تتقون، والجواب من وجهين:
الأول: لا نسلم أن العبادة نفس التقوى، بل العبادة فعل يحصل به التقوى، لأن الاتقاء هو الاحتراز عن المضار، والعبادة فعل المأمور به، ونفس هذا الفعل ليس هو نفس الاحتراز عن المضار بل يوجب الاحتراز، فكأنه تعالى قال: اعبدوا ربكم لتحترزوا به عن عقابه، وإذا قيل في نفس الفعل إنه اتقاء فذلك مجاز لأن الاتقاء غير ما يحصل به الاتقاء، لكن لاتصال أحد الأمرين بالآخر أجرى اسمه عليه.
الثاني: أنه تعالى إنما خلق المكلفين لكي يتقوا ويطيعوا على ما قال: {وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] فكأنه تعالى أمر بعبادة الرب الذي خلقهم لهذا الغرض، وهذا التأويل لائق بأصول المعتزلة. اهـ.

.قال ابن عطية:

يا حرف نداء، وفيه تنبيه، وأي هو المنادى.
قال أبو علي: اجتلبت أي بعد حرف النداء فيما فيه الألف واللام لأن في حرف النداء تعريفًا فكان يجتمع تعريفان، وها تنبيه وإشارة إلى المقصود، وهي بمنزلة ذا في الواحد، و{الناس} نعت لازم لأي.
وقال مجاهد: {يا أيها الناس} حيث وقع في القرآن مكي، و{يا أيها الذين آمنوا} مدني.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: قد تقدم في أول السورة أنها كلها مدنية، وقد يجيء في المدني {يا أيها الناس} وأما قوله في {يا أيها الذين آمنوا} فصحيح.
وقوله تعالى: {اعبدوا ربكم} معناه وحدوه وخصوه بالعبادة، وذكر تعالى خلقه لهم من بين سائر صفاته إذ كانت العرب مقرة بأن الله خلقها، فذكر ذلك حجة عليهم.
ولعل في هذه الآية قال فيها كثير من المفسرين هي بمعنى إيجاب التقوى وليست من الله تعالى بمعنى ترجٍّ وتوقُّع.
وقال سيبويه ورؤساء اللسان: هي على بابها، والترجي والتوقع إنما هو في حيز البشر، أي إذا تأملتم حالكم مع عبادة ربكم رجوتم لأنفسكم التقوى، و{لعلكم} متعلقة بقوله: {اعبدوا ربكم} ويتجه تعلقها بخلقكم أي لما ولد كل مولود على الفطرة فهو إن تأمله متأمل توقَّع له ورجا أن يكون متقيًا. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الناس اعبدوا رَبَّكُمُ الذي خَلَقَكُمْ والذين مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض فِرَاشًا والسماء بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السماء مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثمرات رِزْقًا لَّكُمْ}.
أشار في هذه الآية إلى ثلاثة براهين من براهين البعث بعد الموت وبينها مفصلة في آيات أخر.
البرهان الأول: خلق الناس أولًا المشار إليه بقوله: {اعبدوا رَبَّكُمُ الذي خَلَقَكُمْ والذين مِن قَبْلِكُمْ} لأن الإيجاد الأول أعظم برهان على الإيجاد الثاني، وقد أوضح ذلك في آيات كثيرة كقوله: {وَهُوَ الذي يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ} [الروم: 27] الآية وقوله: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ} [الأنبياء: 104]، وكقوله: {فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الذي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الإسراء: 51] الآية، وكقوله: {يا أيها الناس إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ البعث فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ} [الحج: 5]، وكقوله: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النشأة الأولى} [الواقعة: 62] الآية.
ولذا ذكر تعالى أن من أنكر البعث فقد نسي الإيجاد الأول، كما في قوله: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ} [يس: 78] الآية، وقوله: {أَوَلاَ يَذْكُرُ إلإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} [مريم: 66- 67]. ثم رتب على ذلك نتيجة الدليل بقوله: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ} [مريم: 68] الآية.. إلى غير ذلك من الآيات.
البرهان الثاني: خلق السموات والأرض المشار إليه بقوله: {الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض فِرَاشًا والسماء بِنَاءً} لأنهما من أعظم المخلوقات، ومن قدر على خلق الأعظم، فهو على غيره قادر من باب أحرى. وأوضح الله تعالى هذا البرهان في آيات كثيرة كقوله تعالى: {لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس} [غافر: 57]، وقوله: {أَوَلَيْسَ الذي خَلَقَ السماوات والأرض بِقَادِرٍ على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بلى وَهُوَ الخلاق العليم} [يس: 81]، وقوله: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ على أَن يُحْيِيَ الموتى بلى} [الأحقاف: 33]، وقوله: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض قَادِرٌ على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} [الإسراء: 99]، وقوله: {أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السماء بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا} [النازعات: 27- 28] الآية.. إلى غير ذلك من الآيات.
البرهان الثالث: إحياء الأرض بعد موتها. فإنه من أعظم الأدلة على البعث بعد الموت، كما أشار له هنا بقوله: {وَأَنزَلَ مِنَ السماء مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثمرات رِزْقًا لَّكُمْ} وأوضحه في آيات كثيرة كقوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأرض خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الماء اهتزت وَرَبَتْ إِنَّ الذي أَحْيَاهَا لَمُحْىِ الموتى إِنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فصلت: 39]، وقوله: {وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ الخروج} [ق: 11]، يعني: خروجكم من قبوركم أحياء بعد أن كنتم عظامًا رميما. وقوله: {وَيُحْيِي الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} [الروم: 19]، وقوله تعالى: {حتى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الماء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثمرات كذلك نُخْرِجُ الموتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 57]، إلى غير ذلك من الآيات. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)}.
العبادة موافقة الأمر، وهي استفراغ الطاقة في مطالبات تحقيق الغيب، ويدخل فيه التوحيد بالقلب، والتجريد بالسر، والتفريد بالقصد، والخضوع بالنفس، والاستسلام للحكم.
ويقال اعبدوه بالتجرد عن المحظورات، والتجلد في أداء الطاعات، ومقابلة الواجبات بالخشوع والاستكانة، والتجافي عن التعريج في منازل الكسل والاستهانة.
قوله: {لعلكم تتقون} تقريب الأمر عليهم وتسهيله، ولقد وقفهم بهذه الكلمة- أعني لعلَّ- على حد الخوف والرجاء.
وحقيقة التقوى التحرز والوفاء بالطاعة عن متوعدات العقاب. اهـ.

.ذكر ابن جزي في هذه الآية ثلاث فوائد:

الأولى: هذه الآية ضمنت دعوة الحق إلى عبادة الله بطريقين أحدهما: البراهين بخلقتهم وخلقة السماوات والأرض والمطر والسحاب.
والآخر: ملاطفة جميلة بذكر ما لله عليهم من الحقوق ومن الإنعام، فذكر ربوبيته لهم، ثم ذكر خلقه لهم وآبائهم، لأن الخالق يستحق أن يعبد ثم ذكر ما أنعم الله به عليهم من جعل الأرض فراشًا والسماء بناء، ومن إنزال المطر وإخراج الثمرات، لأن المنعم يستحق أن يعبد ويشكر، وانظر قوله: جعل لكم، ورزقًا لكم: يدلك على ذلك لتخصيصه ذلك بهم في ملاطفة وخطاب بديع.
الثانية: المقصود الأعظم من هذه الآية: الأمر بتوحيد الله وترك ما عبد من دونه بقوله في آخرها: {فلا تجعلوا لله أندادًا} وذلك هو الذي يترجم عنه بقولنا: لا إله إلا الله، فيقتضي ذلك الأمر الدخول في دين الإسلام الذي قاعدته التوحيد وقول لا إله إلا الله تكون في القرآن ذكر المخلوقات، والتنبيه على الاعتبار في الأرض والسماوات والحيوان والنبات والرياح والأمطار والشمس والقمر والليل والنهار وذلك أنها تدل بالعقل على عشرة أمور: وهي: أن الله موجود، لأن الصنعة دليل على الصانع لا محالة، وأنه واحد لا شريك له، لأنه لا خالق إلا هو.
{أفمن يخلق كمن لا يخلق} [النحل: 17].
وأنه حي قدير عالم مريد، لأن هذه الصفات الأربع من شروط الصانع.
إذ لا تصدر صنعة عمن عدم صفة منها، وأنه قديم، لأنه صانع للمحدثات فيستحيل أن يكون مثلها في الحدوث، وأنه باق، لأن ما ثبت قدمه استحال عدمه، وأنه حكيم، لأن آثار حكمته ظاهرة في إتقانه للمخلوقات وتدبيره للملكوت، وأنه رحيم، لأن في كل ما خلق منافع لبني آدم سخر لهم ما في السماوات وما في الأرض، وأكثر ما يأتي ذكر المخلوقات في القرآن في معرض الاستدلال على وجوده تعالى وعلى وحدانيته.
فإن قيل: لم قصر الخطاب بقوله: {لعلكم تتقون} على المخاطبين دون الذين قبلهم مع أنه أمر الجميع بالتقوى؟
فالجواب: أنه لم يقصره عليهم، ولكنه غلب المخاطبين على الغائبين في اللفظ، والمراد الجميع.
فإن قيل: هلا قال: {لعلكم تعبدون} مناسبة لقوله: {اعبدوا}.
فالجواب أن التقوى غاية العبادة وكمالها فكان قوله: {لعلكم تتقون} أبلغ وأوقع في النفوس. اهـ.

.من فوائد تقي الدين السبكي:

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ:
قَوْله تعالى: {اُعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَاَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فَإِنْ قُلْت هَلا قِيلَ تَعْبُدُونَ لأَجْلِ اُعْبُدُوا أَوْ اتَّقُوا لِمَكَانِ تَتَّقُونَ وَأَجَابَ بِأَنَّ التَّقْوَى قُصَارَى أَمْرِ الْعَابِدِ وَلَيْسَتْ غَيْرَ الْعِبَادَةِ وَتَرَكَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَجْهًا آخَرَ مُحْتَمَلا فَإِنَّهُ بَنَى كَلامَهُ عَلَى أَنَّ {لَعَلَّكُمْ} مُتَعَلِّقٌ {بِخَلَقَكُمْ} وحِينَئِذٍ يَكُونُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَيَنْصَرِفُ عَنْ حَقِيقَةِ التَّرَجِّي إلَى مَجَازِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجْعَلَ {لَعَلَّكُمْ} مُتَعَلِّقًا بِاعْبُدُوا أَوْ يَكُونُ التَّرَجِّي إمَّا مِنْ الأَمْرِ فَيُصْرَفُ إلَى الْمَجَازِ أَيْضًا وَتَكُونُ التَّقْوَى تَقْوَى النَّارِ الْمُسَبَّبَةِ عَنْ الْعِبَادَةِ، وَإِمَّا مِنْ الْمَأْمُورِ فَتَكُونُ التَّقْوَى عَلَى بَابِهَا أَيْضًا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا؛ وَالتَّرَجِّي عَلَى حَقِيقَتِهِ وَحِينَئِذٍ تَكُونُ صِفَةً فِي الْعِبَادَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا، فَإِذَا فُرِضَ الأَمْرُ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ التَّرَجِّيَ بِالْمَأْمُورِ بِهِ وَالْمَأْمُورُ يَعْتَقِدُ خِلافَهُ، كَمَا لَوْ قُلْتَ لِزَيْدٍ: اضْرِبْ عَمْرًا لَعَلَّهُ يَتَأَدَّبُ، وَأَنْتَ تَتَرَجَّى ذَلِكَ مِنْهُ؛ وَالْمَأْمُورُ قَاطِعٌ بِأَنَّهُ لا يَتَأَدَّبُ بِذَلِكَ احْتَمَلَ أَنْ يُقَالَ لا يَجِبُ الضَّرْبُ لأَنَّ الضَّرْبَ الْمَأْمُورَ بِهِ هُوَ الْمُتَرَجَّى مَعَهُ، وَالْفَرْضُ خِلافُهُ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَجِبَ، وَيَكُونُ الْمُعْتَبَرُ تَرَجِّيَ الأَمْرِ، وَالأَوَّلُ أَظْهَرُ؛ لأَنَّ الْكَلامَ عَلَى تَقْدِيرِ جَعْلِ التَّرَجِّي لِلْمَأْمُورِ لا لِلآمِرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى. اهـ.

.قال صاحب التفسير الواضح:

بحث لعل:
أصل لعل للترجى، فإذا قلت لصديقك: لعلك تزورنى، كان المعنى أرجو وأطمع في زيارتك، وهنا لا تصح أن تكون كذلك لأن رجاء تقواهم لا يكون من القادر الذي في قبضته كل شيء وهو العليم الخبير.
ولكن لما خلق اللّه الخلق لعبادته: {وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} وقد أوضح لهم الطريقتين، وطلب منهم سلوك الطريق المستقيم مرارا كأنه في صورة الذي يرجو تقواهم وكأنها مرجوة له سبحانه... وهي تفيد كذلك التعليل. اهـ.

.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا رَبَّكُمُ}.
قال ابن عرفة: هذا التفات من الغيبة إلى الخطاب لأنه تقدم الكلام بين المسلمين والمنافقين بلفظ الغيبة ثم أقبل على الجميع بالنداء وهو خطاب لمشركي مكة.
قال القاضي العماد: في هذا اضطراب وتناقض لأن جعله التفاتا يقتضي خطاب جميع الناس مسلمهم وكافرهم.
وأجاب ابن عرفة: بأنه خطاب لجميع الناس الذين منهم مشركو مكة.
قال: وإذا قلنا إن السورة مدنية كيف يخاطب مشركو مكة؟ إلا أن يقال: إنه خطاب للجميع ويتناول مشركي مكة وإن كانوا غالبين من باب تغليب المخاطب على الغائب.
قال: وحرف النداء اما اسم فعل لأنادي وأنادي إما خبر أو إنشاء والصحيح أنه إنشاء في معنى الخبر يدل عليه قول الفقهاء: إن من قال لرجل: يا زان إنّه يحدّ.
قال: ويَا نداء للبعيد ويستعمل في القريب مجازا.
وقيل إنه وضع أيضا للقريب فيكون مشتركا فيتعارض الاشتراك والمجاز فالمجاز أولى.
وعلى ما قال ابن الخطيب في القدر المشترك: يكون للقدر المشترك بينهما وهو أول من تكلّم به أعني ابن الخطيب.
وقال بعضهم: لم تعرف العرب القدر المشترك بوجه.
ورده بعضهم بتفريق الجزولي بين علم الجنس وعلم الشخص.
قال: وحرف النداء جرى مجرى أداة التعريف فلذلك لم تدخل على ما فيه الألف واللام إلا بواسطة أي.
قال ابن عرفة: وعادتهم يردّون بقولك: يا رَجُل فلو كان للتعريف لما صحّ دخوله على النكرة.
وأجاب بأن النكرة غير مقبل عليها، والتعريف في المنادى إنما هو بما فيه من معنى الإقبال.
والنّاسُ إن أريد به أهل مكة فيدخل غيرهم من باب خطاب التسوية، لأنّهم يتناولهم التكليف كما قال اللّخمي في أول كتاب النكاح.
قال مجاهد: {يا أيها الناس} حيث وقع فهو مكي و{يا أيها الذين ءَامَنُواْ} مدني.
قال الطّيبي أكثر اقتران النّاس بلفظ الرّبّ.
قال ابن عرفة: لأنه تكليف للجميع من المؤمنين والكافرين، فحسن فيه وصف التربية بالإحسان والإنعام على سبيل التهييج للامتثال.
ولما كان الآخر خطابا لمن حصل له الإيمان بالفعل لم يحتج إلى ذلك التأكيد.
وَاعْبُدُو: حمله ابن عطية على التوحيد.
وحمله الزمخشري على الطاعات.
قال الطّبري: وفيها حجة لأهل السنة القائلين بوقوع تكليف مالا يطاق لأنّ من جملة الناس المنافقون المخبر عنهم بأن الله ختم على قلوبهم وسمعهم.
وردّه ابن عرفة بأن هذا ليس من محل النزاع.
فقد استثنى ابن التلمساني في شرح المعالم الفقهية في المسألة الرابعة عشر من باب الأوامر استثناء المحال عقلا كالكون في محلين في وقت واحد، والمحال عادة.
كالطيران في الهواء فقال: هذا لا يصحّ التكليف به إلاّ مع التمكن ومع القدرة عليه.
كما يحكى عن الركراكي وغيره من الصالحين وهذا ليس من ذلك القبيل بل يصح التكليف به وإن كان غير واقع في علم الله تعالى.
وحمل الزمخشري الترجي على الوجوب وهو المناسب لمذهب المعتزلة لأنهم يقولون: إن الطائع يجب على الله أن يثيبه وكما قالوا في قوله: {وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} قال ابن عرفة: وإذا فسّرنا العبادة بالتوحيد كما قال ابن عطية بيكون في الآية دليل على أن النظر واجب بالعقل، ولو وجب بالشرع لأمروا أولا بالنظر ثم بالتوحيد.
فإن فسرنا العبادة بفعل التكاليف الشرعية من الصلاة والزكاة وغير ذلك كما قال الزمخشري فيكون فيها دليل على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة إلا أن يقال: إنهم كلفوا بالإيمان وبفروعه ضربة واحدة. اهـ.